إسماعيل الطالب علي
لم تكن "سميرة" تتخيل أن الشقة التي بنت عليها آمالا في أن تأويها هي وأبناؤها هناء وطمأنينة من التشرد والضياع بإحدى المركبات السكنية بسيدي معروف بالدار البيضاء، ستكون سببا في محنتها لعدة شهور بل بضع سنوات، لتتكاثر عليها المصاريف وتضيع أموالها التي اقترضتها من البنوك لأجل أن تستفيد من شقتها التي لم تكن في ذلك الوقت مبنية بعد، عاقدة أملا أنها بعد سنة أو سنتين ستكون مأوى لها.
"سميرة" وهي تحكي لـ"مواطن" واصفة نفسها بـ"المتضررة"، تقول "أنا امرأة مطلقة وزوجي قد تركني وأولادي، دون طعام ولا دراسة ولا سكن، إذ أخرجني من مسكني الذي أقطن به رفقة أبنائي، فكان لزاما علي أن أجد مسكنا أشتريه يأويني وفلذة كبدي، الأمر الذي جعلني أجمع مبالغ كبيرة سلفا وقرضا، وأقصد المركب السكني "كازابلانكا بارك" بسيدي معروف بالعاصمة الاقتصادية".
بنبرة صوت تطبعها الحسرة والتأسف، تضيف "سميرة" أنها التجأت إلى هذا المركب السكني سنة 2014، وقامت بشراء شقة بـ26 مليون سنتيم و2000 درهم، اعتقادا منها بحسب الوعود التي آمنت بها، أنها سنة أو سنتين بعد ذلك ستتسلم شقتها، إذ تشير إلى أن المبلغ الذي جمعته كان عبر قروض من أبناك وسلف من المقربين.
"ما كنت لأسمح أن يتشرد أبنائي، وما كان بوسعي أن أكتري لأنه ليس بمقدوري ذلك، هكذا كان حالي آنذاك الأمر الذي دفعني إلى التوجه إلى هذا المركب السكني، الذي استقبلني فيه مسؤولوه وقتئذ بصدر رحب وقرروا أن يقفوا بجانبي"، مسجلة تعاطفهم ورغبتهم في مساعدتها بعدما استمعوا إليها ولظروفها القاسية، غير أنه في نهاية المطاف تكتشف أن كل ذلك ما هو إلا "بروتوكول" واستمالة، تبرز المتحدثة.
تلفت "سميرة" الانتباه إلى أنه بشكل أكيد "هناك حالات أخرى مثلي، غير أنني في هاته اللحظة أقف عند وضعي لأحكيه لكم بالتفصيل الممل"، إذ تشدد على أنه "منذ سنة 2014، وأنا أنتظر دون أن أستفيد من هذه الشقة، ما أدى بي إلى أن أتنازل عن الشراء، في مقابل التزام الشركة بإرجاع المبالغ المالية التي قدمتها، غير أنني منذ ذلك الحين وأنا أتنقل من الرباط إلى الدار البيضاء كلما سنحت لي الفرصة، لأجل أن أحصل على أموالي إلا أنه يتم إيهامي بأنه سيتم ذلك كل أسبوع، لكن لا يحصل أبدا".
"تسويف لإرجاع أموالي دام قرابة عام ونصف، ومحنة بلغت السنة الرابعة"، هكذا تعنون المتحدثة سميرة الضرر الذي لحقها، إذ تحكي والدموع تغلب عليها "تعبت تعبت.. من الاقتراض، وانقهرت من التسويف الذي يحصل".
مبدية قهرها تتذكر أنه في إحدى المرات قد وجدت نفسها تذرف الدموع أمام القائمين على المركب السكني من أجل تمكينها من أموالها، إذ لم تجد ما ترسل لابنها الذي يدرس خارج المغرب، حيث أثناء ذلك رأفا على حالها، قد "اضطر هؤلاء إلى إعطائي شيك بمبلغ 95 ألف درهم"، على حد تعبير "سميرة" التي أخذت الشيك وأرسلت بعض المال لابنها وسددت بعضا من الديون التي على عاتقها.
"فبحسب المحدد في العقدة، أنه كان ينبغي أن تقطن سميرة في الشقة سنة 2016،" وهي تتأسف على هذا الأمر الذي يحدث، تشتكي بالقول "أنا متضررة بشكل كبير، وأضطر لأن أقترض لأجل أن أدرس ابني، والبنك لا يرحم، فماذا أصنع؟، أنا متخوفة كثيرا وأخاف أن ألجأ إلى محامي وأقوم بمقاضاتهم وأخسر أموال دون جدوى، لكوني لا أعرف الكثير عن هذا المجال، فلو كنت أعلم أن ذلك سيحدث لما وضعت نفسي في هذه المشاكل".
"سميرة" ليست هي المتضررة لوحدها، بل هناك عدد آخر من المواطنين الذين لحقهم الضرر، من بينهم "رضوان كاصاوي" يقطن بمدينة الدار البيضاء، حيث قال أنه قد أبرم عقد بيع شراء مع المركب منذ سنة 2014 لشراء شقة بـحوالي 120 مليون سنتيم، ليسلم 5 في المائة من المبلغ كتسبيق، غير أنه لم يتم تسليمها له في الوقت المحدد، ما جعله يتنازل أيضا عن الشراء.
يضيف "كاصاوي" في تصريح لـ"مواطن"، أن الشركة قد التزمت معه بأنه في أواخر شهر يونيو من هذه السنة، سيتم تسليمه المبلغ المالي المحدد، مشيرا إلى أنه "منذ تلك اللحظة لم يتم تسليمه المبلغ، خصوصا وأن الشقة التي كانت موضوع النقاش قد تم بيعها الآن".
متضررة أخرى، تدعى "نادية الخالدي"، صرحت أن زوجها قد وقع عقدة مع الشركة المعنية من أجل شراء شقة بالمركب نفسه، غير أنه كذلك منذ سنة 2014، لم يتم تسليم الشقة، ما جعلهم بدورهم يلجؤون إلى التنازل عن الشراء والمطالبة بأداء ما تم دفعه.
وأشارت إلى أن الشقة التي كانت موضوع البيع والشراء لم يتم بناؤها بعد، مبرزة أن "الشركة وقت إبرام العقدة وعدتهم بتسليم الشقة لهم في حدود سنة واحدة، غير أنه مرت الآن 4 سنوات على ذلك دون أي نتيجة تذكر"، كما جاء على لسانها.
كثير من المتضررين لا يسع الوقت لذكرهم جميعا، كلهم يعربون عن تضررهم من الشركة المكلفة بمشروع المركب السكني "كازابلانكا بارك"، مؤكدين أن الشركة المعنية لم تلتزم بتاتا بالعقد الذي جمعها بهم، حيث لم يتم تسليم الشقق في الوقت المحدد للمواطنين، بالإضافة إلى ذلك، أخلت بالتزاماتها جميعها، من بينها تلك التي تقضي بإرجاع المبالغ المالية التي حصلت عليها في عقدة البيع والشراء إلى أصحابها، بعد التنازل عن العقد.
وأوضح المتضررون أنهم يأتون إلى الشركة من أجل الاستفسار عن مآل حصولهم على المبالغ التي قدموها للشركة، غير أنهم دائما ما يقابلون بالتسويف كل مرة، ليصل عليه الحال إلى سنوات من الانتظار والوعود الكاذبة، على حد تعبير المتضررين.
بعد أن سمع "مواطن" لشكاوى المتضررين، ربط اتصالا بمسؤولي شركة TREIZE HUIT SIDI MAAROUF، للاستفسار وللاطلاع على حيثيات الموضوع أكثر، فكان ردهم أن "الشركة قد وقعت في أزمة مالية جد خانقة، لظروف إدارية محضة كانت سببا في عدم أداء التزاماتها".
وفي هذا السياق، قال عادل الدردابي، المدير المالي الإداري لشركة "TREIZE HUIT"، المكلفة بمشروع المركب السكني "كازابلانكا بارك"، إن "الإدارة قد أوقفت لنا المشروع لمدة سنتين، ونتيجة ذلك فقد تأخرنا عن الناس في بناء شققهم، حيث هناك من قرروا أن يصبروا معنا، والبعض الآخر نتيجة التأخر طالبونا بإرجاع أموالهم والتنازل عن الشراء، وبالفعل تنازلوا عن ذلك، وطلبنا منهم أجلا لإرجاع أموالهم".
وأكد الدردابي في تصريح لـ"مواطن"، أنه "في نهاية السنة الحالية سنقوم بأداء جميع الأموال التي تلزم وسنوفي بالتزاماتنا جميعها"، مشيرا أنه "لدينا شطر من المشروع سنسلمه في شهر أكتوبر من هذه السنة، كما أنه طلبنا سلفا جديدا من البنك، إذ على إثر ذلك سيتم تحصيل عدد مهم من الأموال سنفك بها جميع المشاكل العالقة جراء التوقف".
وأوضح المتحدث، أن "التوقف الحاصل الذي كان سببا في مشاكل الشركة، والذي كان ما بين سنة 2015 و 2017، تم حله الآن، والآن فالأشغال تستأنف، إذ أن الشطر الثالث من المشروع سينتهي في شهر أكتوبر وسنسلم للمواطنين شققهم وأموالهم"، مشيرا إلى أنه قد تم بناء الآن 500 شقة من أصل 1365 شقة في المشروع".
وأضاف أن مشكل التوقف كان نتيجة أن "مصالح رجال المطافئ وجدوا أن السلالم لا يجب أن تكون بشكل دائري موازي مع المصعد، بدعوى أن الأمر غير قانوني، وكان ردنا بأن لا يعقل ذلك خصوصا وأن 42 عمارة تم بناؤها ولا يمكن هدمها، الأمر الذي جعلنا نوقف الأشغال إلى حين أن قمنا بوضع شكاية لدى مصالح وزارة الداخلية، وهي التي أنصفتنا على إثر ذلك تنازل رجال المطافئ عن ملاحظاتهم التي كانت سببا في التوقف".
وشدد الدردابي أنه "بالنسبة للذين تنازلوا عن الشراء، سنرجع لهم أموالهم وتسبيقاتهم دون أية غرامات، وإن كان العقد ينص على استخلاص غرامة 30 ألف درهم جراء التنازل، إلا أنه ونتيجة تأخرنا عنهم فإننا قررنا ذلك".