مواطن
تعقد سلسلة إنتاج الحوامض بالمغرب، التي تعد من بين القطاعات الأساسية للفلاحة الوطنية، مؤتمرها العلمي الأول خلال أيام 13، 14 و15 مايو 2025 بمراكش تحت شعار " تحديات قطاع الحوامض: ماهي اليات العمل المستقبلية الممكنة؟".
وينعقد هذا المؤتمر بتنظيم من الفيدرالية البيمهنية للحوامض (ماروك سيتروس) وتحت رعاية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وتجدر الإشارة إلى أن ماروك سيتروس تعتبر طبقا لأحكام القانون 03.12 الإطار المهني للتشاور بين مهنيي سلسلة إنتاج الحوامض، إذ تجمع الفيدرالية كافة المتدخلين في سلسلة القيمة لإنتاج الحوامض بالمغرب. ففي الجانب المتعلق بالإنتاج، تضم فيدرالية ماروك سيتروس كل من جمعية منتجي الحوامض بالمغرب(ASPAM)، وجمعية منتجي ناظوركوت بالمغرب(APNM)، والجمعية المغربية لمنتجي أغراس الحمضيات المعتمدة (AMAPAC). أما فيما يخص الجانب المتعلق بالتثمين والتصدير، فتضم الفيدرالية جمعية ملففي الحوامض بالمغرب (ASCAM)، الجمعية المغربية للصناعات التحويلية للحوامض(AMITAG)، والجمعية المغربية لمصدري الحوامض (Citrus Export).
من خلال جمع المهنيين والمؤسساتيين والخبراء الوطنيين والدوليين، يتوخى هذا المؤتمر العلمي الرفيع المستوى التطرق إلى التحديات الكبرى لسلسلة الحوامض، وتشخيص أوضاع هذه السلسلة الإنتاجية التي تعتبر مصدر عيش أكثر من 13 ألف أسرة قروية، وتوفر 32 مليون يوم عمل في البساتين، إضافة إلى مناصب الشغل التي توفرها محطات التلفيف، البالغ عددها 50 محطة، وأربعة مصانع لإنتاج العصير.
ينتج القطاع سنويا أكثر من 1.5 مليون طن من الحمضيات. ويتم توجيه ثلثيالإنتاج إلى السوق المحلية، والثلث الأخير للتصدير. الشيء الذي يضمن تموينها كما وكيفا بمنتجات ذات جودة عالية. ويوجه القطاع أزيد من 500 ألف طن من الحوامض سنويا نحو أسواق التصدير، مساهما بذلك في جلب العملة الصعبة وتخفيض عجز الميزان التجاري للبلاد.
خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة، واجه القطاع العديد من التحديات، غير أنه أبان أيضا عن قدرة كبيرة على الصمود والتأقلم جاعلا من كل أزمة فرصة لإعادة ابتكار الذات والتأهيل.
الجفاف، تحدي الصمود والمرونة
تأثرت السلسلة الإنتاجية للحوامض بشكل كبير بالجفاف الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأخيرة. ورغم الخسائر المهمة التي تكبدها القطاع جراء ذلك، تميزت هذه الفترة ببدل مجهودات كبرى في إعادة تأهيله.
ومن أبرز اللحظات المرتقبة خلال المؤتمر، تقديم نتائج تحيين الإحصاء الخاص بقطاع الحوامض الذي أنجزته الفيديراليةالبيمهنية "ماروك سيتروس" بشراكة مع وزارة الفلاحة، والذي كشف عن تراجع مقلق في المساحات المزروعة بالحوامض.
فخلال الفترة من 2010 إلى 2016، عرف القطاع فترة ازدهار كبير، وذلك عقب تفويت أراضي شركة التنمية الفلاحية "صوديا" وإطلاق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتنفيذ تدابير المواكبة والدعم لاستراتيجية المغرب الأخضر. في هذا السياق، عرف قطاع إنتاج الحوامض فائضا في الإنتاج تجاوز القدرات المتاحة في مجال التعبئة والتسويق. فقد ارتفعت المساحات المزروعة خلال هذه الفترة من 98000 هكتار في 2010 إلى 128000 هكتار في 2016، ما أدى إلى ارتفاع الإنتاج من 1.642 مليون طن إلى 2.619 مليون طن.
انخفاض المساحات المغروسة بالحوامض بنسبة 29% ما بين 2016 و2024، أي ما يمثل تراجعا بمقدار 37000 هكتار
خلال هذه الفترة، تضررت سلسلة إنتاج الحوامض بشكل كبير جراء موجات الجفاف القاسية التي اجتاحت المغرب في السنوات الأخيرة، مما اضطر إلى اقتلاع كثيف للأشجار، الشيء الذي أدى إلى تراجع كبير في المساحات المخصصة للحوامض بنسبة 30% منذ 2016، لتنزل إلى مستوى 91342 هكتار فقط في سنة 2024.
لكن، على الرغم من الانخفاض القوي للمساحات، وتراجع الإنتاج إلى 1.5 مليون طن حاليا، فإن بساتين قطاع الحوامض تمتاز بكونها شابة ومتوازنة من حيث الأصناف، إذ أن 50% من الأشجار المغروسة لا يتجاوز عمرها 15 سنة وتتميز بجودة منتجاتها وبقيمتها المضافة العالية.
عرف صنف الناظوركوت، الذي يعد بمثابة ثروة وطنية حقيقية، تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، بفضل التدبير المحكم من طرف جمعية منتجي الناظوركوت بالمغرب، التي فرضت احترامصارملدفتر التحملات ومناطق زراعة محددة.
تم اكتشاف وتطوير هذا الصنف في المغرب، ويتشكل اسمه من اسم مكتشفه، السيد الناظوري، وهو باحث زراعي في المعهد الوطني للبحث الزراعي، بالإضافة إلى اسم النبتة الأصلية "موركوت". وحظي هذا الصنف، الذي يتميز بالقيمة المضافة العالية لمنتوجه، بإقبال كبير على المستوى العالمي، حيث أصبح يصدر إلى أكثر من 40 دولة انطلاقا من المغرب.
بالنسبة للمنتجين المغاربة، يوفر صنف الناظوركوت العديد من المزايا الهامة كالإنتاجية والحجم المتجانس، وفترة مثالية للجني تأتي بعد موسم جني الكليمونتينوتتواصل إلى غاية نهاية أبريل.
وخارج المغرب، حيث تم تطويره، تتمتع تسمية الناظوركوت بالحماية في أوروبا، ويعتبر اليوم الصنف المفضل من قِبَلِ المنتجين عبر العالم.
التصدير، عملية تأهيل تحت الضغط
فرضت المنافسة الشديدة التي أصبح قطاع الحوامض المغربية يواجهها في الأسواق الروسية نتيجة دخول المنتجات التركية والمصرية إليها، ضرورة إعادة النظر في استراتيجية التصدير عبر إعادة توجيهها نحو أسواق جديدة.
لعب تراجع السوق الروسية دور الرافعة من أجل إعادة تأهيل شامل لمجمل سلسلة القيم لقطاع الحوامض بالمغرب. في هذا السياق، اضطر المصدرون المغاربة إلى إعادة توجيه صادراتهم صوب أسواق ذات مستويات عالية من المتطلبات من حيث الجودة والتتبع وشهادات المطابقة. الشيء الذي مكن من تحقيق تحسينات كبيرة على مستوى جودة المنتجات وتعميم شهادات المصادقة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشهادات، على غرار الشهادة المرجعية في الممارسات الزراعية الجيدة (GlobalGAP)، وشهادةالتدقيق التجاري الأخلاقي لأعضاء (SMETA)، وتقييم الممارسات الاجتماعية (GRASP)، وشهادة الزراعة البيئية المستدامة(LEAF)، لا تشكل فحسب مجرد وسائل لضمان الولوج إلى الأسواق الدولية، وخاصة الأوروبية، بل أصبحت أيضا ضمانة الجودة بالنسبة للموزعين.
كما مكنت إعادة التأهيل هذه من تحسين جودة المنتجات المعروضة في السوق الداخلي.
تواجه صادرات البرتقال المغربي بدورها منافسة شديدة، خاصة من قبل البرتقال المصري، بالإضافة لتعرضها لحواجز مهمة عند التصدير والتي ترتب عنها انخفاض قوي في الكميات المصدرة، أثر بدوره بشكل كبير على سلسلة إنتاج الحوامض، وانعكس ذلك سلبيا على موسم التصدير الذي تقلص بشهرين. كما انعكس ذلك أيضا على أداء ومردودية محطات التلفيف التي لم تعد تعمل إلا خمسة أشهر في السنة، مما أثر بشكل مباشر على عمالها.
وتعاني مصانع انتاج العصير بدورها من نقص المواد الأولية، لأنها كانت تستفيد من فارق فرز البرتقال عند التصدير للتموين بأسعار منخفضة.
وختاما مدد المنتجون موسم البرتقال إلى غاية الصيف من أجل مواصلة تموين السوق المحلي، في سعي للاستفادة من أسعار الصيف، الشيء الذي ترتب عنه استغلال مفرط للأشجار، أدى إلى انخفاض مردوديتها في الموسم الموالي.
ورغم الترحيب بالدعم الذي أعلنت عنه الحكومة مؤخرا، إلا أنه يبقى في مستوى غير كاف أمام فارق أسعار البيع بين المغرب ومصر. غير أنه، من جانب آخر، يعتبر مؤشرا قويا على الرغبة في تشجيع المنتجين على التصدير.
ويتوفر قطاع البرتقال المغربي على فرصة سانحة للحصول على حصص إضافية في سوق التصدير، بسبب تضرر زراعة البرتقال في البرازيل جراء الإصابة بفيروس الغرينينغ(Greening)، الذي تسبب في إتلاف جزء مهم من القدرات الإنتاجية لهذا البلد الذي يعتبر من ضمن كبار منتجي البرتقال في العالم. ونتج عن هذا الانخفاض في الإنتاج البرازيلي ارتفاع كبير في أسعار مُرَكّز البرتقال في العالم، والذي دفع المصريين إلى تحويل جزء مهم من إنتاجهم من البرتقال الذي كان موجها للمائدة إلى مصانع العصير، وبالتالي إلى تحرير قدرات تصديرية إضافية أمام الصادرات المغربية.
رغم ما أبانت عنه من مرونة وصمود، واستفادتها من العديد من برامج التأهيل، تواجه سلسلة إنتاج الحوامض بالمغرب تحديات كبيرة قد تهدد استمراريتها على المدى المتوسط إذا لم يتم التعامل معها بجدية.
الولوج إلى الموارد المائية
في المقام الأول، يشكل تغير المناخ، الذي تجلى في سنوات متتالية من الجفاف، تهديدا كبيرا لمناطق زراعة الحوامض، على غرار باقي سلاسل الإنتاج الفلاحي الوطني. ونتجت عن ذلك حالة من انعدام اليقين وسط المهنيين وقلق متزايد من مخاطر استمرار وتفاقم العجز المائي.
فعلى الرغم من الاستراتيجية الطموحة المعتمدة في مجال الماء، تحتاج سلسلة إنتاج الحوامض اليوم إلى مقاربة خاصة لصيانتها والحفاظ عليها وتطويرها، خاصة مع الاحتمال الكبير أن يتم تخصيص إنتاج محطات تحلية مياه البحر حصريا لتلبية حاجيات الماء الصالح للشرب. واحتمال ألا تتمكن الموارد المائية المتاحة من السدود ومن إعادة تدوير المياه المستعملة من تلبية كل احتياجات القطاع الفلاحي.
وبالتالي، يتعين اليوم تعبئة كافة المتدخلين، من سلطات عمومية ومهنيين، لإعداد خطة مشتركة تضمن لسلسلة إنتاج الحوامض ولوجا دائما ومستداما إلى الموارد المائية، وذلك عبر مشاريع إضافية لتحلية المياه وإنشاء ما يسمى ب"الطرق السيارة للماء".
ويستدعي رفع هذا التحدي المحوري، والذي يعد محددا لمستقبل سلسلة إنتاج الحوامض، التعجيل بإجراء دراسة معمقة للوضع وإطلاق مشاورات بين المهنيين والحكومة قصد إيجاد وتنفيذ الحلول المناسبة في أقرب الآجال.
تنظيم وهيكلة الأسواق
بناء على ما جاء في الرأي الصادر عن مجلس المنافسة في مارس 2024، تواجه سلسلة إنتاج الحوامض اختلالات تنظيمية تؤثر على فعاليتها وقدرتها التنافسية.
من بين أبرز الإشكاليات التي تمت ملاحظتها، التفتيت المفرط للضيعاتالفلاحية، سوء تنظيم المنتجين واختلال ميزان القوى فيما يخص التفاوض بين المنتجين والموزعين، مما يكرس التبعية للوسطاء ويؤدي إلى طول مدارات التسويق، مع ما كل يترتب عن ذلك من ارتفاع في التكلفة بالنسبة للمستهلك النهائي. فضلا على ذلك، يعاني القطاع من ممارسات المضاربة على مستوى أسواق الجملة، حيث لا يتم تثمين جزء كبير من الإنتاج بالشكل المطلوب، الشيء الذي يحد من تنافسيته في الأسواق الدولية.
لذلك، أصبح من الضروري إعادة تأهيل القطاع وتحسين هيكلته من خلال تجميع الموارد وتقوية القدرات التفاوضية للمهنيين، إضافة إلى تقليص تكلفة الإنتاج. ومن شأن تحديث وتعزيز البنيات التحتية الخاصة بتعبئة وتحويل المنتوج، وترقية سلسلة التبريد والنقل، أن تساهم بدورها في الحد من الخسائر الكبيرة التي يعرفها القطاع حاليا خلال فترة ما بعد الجني.
وختاما، تجدر الإشارة إلى أن إصلاح الإطار القانوني المنظم لأسواق الجملة يعتبر كذلك من المطالب الأساسية للقطاع، إضافة إلى تسهيل الولوج المباشر للأسواق الدولية وتقليص عدد الوسطاء من أجل الحد من ممارسات المضاربة وضمان توزيع أفضل للقيمة المضافة.
ويؤدي تضافر العجز الملاحظ على المستوى اللوجستي مع كثرة الوسطاء في سلسلة التوزيع إلى الإضرار، ليس فقط بالمنتجين فحسب، وإنما أيضا بالمستهلكين من خلال كونه يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل مفرط والحد من إمكانيات وصول المستهلكين إلى المنتجات.
توفر اليد العاملة المؤهلة
على الرغم من العدد الكبير من الأسر في العالم القروي التي تعتمد في عيشها على قطاع الحوامض، إلا أن هذا الأخير يعاني من نقص متزايد في اليد العاملة المؤهلة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى المفاضلة الاقتصادية التي يقوم بها العمال الفلاحيون بين تسجيل موسمي ومؤقت في الضمان الاجتماعي وبين الاستفادة من دخل سنوي قار طيلة السنة في إطار برنامج الدعم الاجتماعي المباشر. ونتيجة لذلك يتخلى العديد من العمال الفلاحيين عن ممارسة عمل مصرح به، مما يؤدي إلى نقص متفاقم للعمال بشكل يهدد استمرارية القطاع.
بهذا الصدد، ومن أجل التصدي لهذا التوجه الذي قد يهدد مستقبل القطاع وقدراته الإنتاجية، أصبح من الضروري ابتكار نموذج تعاوني جديد خاص بهذه الفئة من العمال، وذلك في إطار حوار وتنسيق بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية "كومادير".
13 mai 2025 - 14:00
13 mai 2025 - 10:00
07 mai 2025 - 13:00
06 mai 2025 - 09:00
01 mai 2025 - 11:00