بقلم : عزيز بوستة
صيف غريب ذاك الذي حملته سنة 2025… نعرف أن المغرب هو بلد هدوء أو بالأحرى بلد “ما لا يُقال”. لكن هذا الصيف، ورغم ضجيجه السياسي غير المعتاد، ظل صامتا. في المقابل، تابعنا معارك رسائل مفتوحة لافتة، وإن لم تكن بالضرورة بارزة، لكننا شهدنا كل شيء تقريبًا.
1- أزمة خلافة عند البودشيشيين
الطريقة القادرية البودشيشية، وهي إحدى أعرق الزوايا الصوفية وأكثرها احترامًا، عاشت على إيقاع هدوء واستقرار منتظم منذ قرون، حتى ظهر ذلك “الرمل العالق في المحرك”: وريث محتمل أراد أن يصبح الوريث الفعلي بدلًا من المعيّن رسميًا.
تناسلت الرسائل من كل صوب؛ بعضهم يدعم الوريث الشرعي، وآخرون يدافعون عن الطامح. القصة باتت سجالًا بين شقيقين، وأمهما، و"بحر" المريدين الذين تعصف بهم العاصفة اليوم. يقال إن التحكيم الملكي طُلب، بينما يكتفي الرأي العام بالمراقبة بابتسامة عابرة.
أما محمد أوزين، زعيم الحركة الشعبية، فكان أسرع من البرق بإرسال رسالة تعزية وضعت قدميه في حقل من الألغام، إذ أضاف صوته إلى الجوقة الصاخبة من المؤيدين والمعارضين، طلبًا للأصوات الانتخابية. لكن الأجدر، كما يرى العارفون، أن يبحث أولًا عن “الشيخ” الذي يحتفظ بـ”السر الرباني”.
2- الله هو... الله
بالنسبة للسيدة "بيتي لشكر"، يمكن أن يكون “شيئًا آخر”، وقد كتبته، وهو ما اعتُبر غير قانوني وأدخلها السجن. اعتقال أي ناشط أو ناشطة أمر مؤلم دائمًا، لكن تجاوز الحدود والخطوط الحمراء هو أمر محفوف بالمخاطر.
الجدل فجّره مصطفى الرميد، وزير العدل السابق الذي يبدو أنه يعاني من فراغ سياسي، فلجأ إلى هجوم إعلامي حاد ضد لشكر، التي لا تحتاج إلى مزيد من الأعباء. رد عليه المحامي عبد الرحيم الجامعي مدافعًا عن حرية التعبير، حتى تلك التي تتجاوز الذوق العام. عاد الرميد وردّ، لكن رده بدا ضعيفًا مثل النص الذي انتقده. في النهاية، يظهر أن الرجلين يستثمران هذه القضية لإبقاء الأدرينالين مرتفعًا، ولمغازلة جمهورهما. أم يكن من الأجدر أن يتركا العدالة تأخذ مجراها؟.
3- المغرب يثير استيائي”
بهذه العبارة، أو ما جعله الطاهر بنجلون يضعها على لسان أحد شخصياته، صبّ الكاتب المعروف غضبه على بلده الأم. عاد من رحلة إلى المغرب ساخطًا من الأسعار الفاحشة والخدمات المرتبكة.
في مقالته الشهيرة “المغرب الغالي” (بجزأين)، وجّه نقدًا في محله، لكنه بالغ في تضخيم الصورة. نجاح المقال الأول أغراه بكتابة جزء ثانٍ يكرر فيه الأفكار نفسها تقريبًا. حتى الكبار قد يضعفون أمام إغراء “اللايكات”!.
لكن الكاتب المراكشي فؤاد المازوني ردّ عليه بلهجة هادئة، منتقدًا نظرته الغربية المتعالية، وداعيًا إياه لرؤية ما هو إيجابي في بلده وانتقاد ما هو سلبي بموضوعية أكبر. خلاصة الأمر: نعم، انتقاد بنجلون له أساس، لكن أسلوبه افتقر إلى الإنصاف والواقعية.
4- مذكرة "دائرية" صارمة إلى أقصى الحدود
مذيلة بتوقيع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، جابت المذكرة مختلف المكاتب والجهات الإدارية، وأثارت كثيراً من النقاش. السبب؟ أنها تعلن عن بداية عام سياسي ستغلب عليه التحركات الانتخابية، لكن مع رسالة واضحة ضمنية من الداخلية: "لا داعي للمزايدات، نحن من يتكفل بالأمر".
ففي خطابه الأخير، دعا الملك محمد السادس وزير الداخلية إلى الإشراف على الجوانب التقنية والتشريعية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، في قراءة دقيقة للفصل 42 من الدستور، الذي ينص على أنّ الملك هو" رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”.
ولفتيت، الذي يُعرف بصفته مهندساً قبل أن يكون وزيراً، لم يتأخر في التحرك؛ إذ بادر فور انتهاء الخطاب إلى عقد اجتماعات مع القيادات الأمنية لتأمين العملية الانتخابية المرتقبة، ثم استدعى قادة الأحزاب ليبلغهم بأن ساعة "اللعب الانتخابي المنضبط" قد بدأت، قبل أن يوجه المذكرة الشهيرة إلى الولاة والعمال.
الرسالة كانت واضحة: تحميل المسؤولين الترابيين مسؤولية مباشرة في قضايا التنمية، مع ضمان إبعاد هذه الملفات الحساسة عن أي توظيف انتخابي أو مناورات حزبية ضيقة. غير أنّ المهمة تبدو شاقة، فخلال الأشهر الاثني عشر المقبلة ستتولى وزارة الداخلية تنسيق السياسات العمومية وضمان انسجامها، وهو ما يلقى – على ما يبدو – قبولاً واسعاً من مختلف الأحزاب، باستثناء حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي عبّرت بعض منصاته الإعلامية عن رفض شديد لهذه المذكرة.
وهكذا، ومع صدور هذه المذكرة، لم يعد المشهد السياسي مقسوماً بين أغلبية ومعارضة، بل أصبح العنوان الأبرز: التجمع الوطني للأحرار في مواجهة الجميع.
5- عدّاد السرعة للدراجات النارية… وللسياسيين
كالعادة، قرار كبير يُتّخذ في ردهات مغلقة داخل الصالونات المخملية في الرباط. فما الذي قرره المسؤولون هذه المرة؟ إذا تبيّن – عند المراقبة عبر عدّاد السرعة – أنّ محرّك دراجة نارية قد تم التلاعب به، فالعقوبة فورية: حجز الدراجة، غرامة تتراوح بين 5000 و30.000 درهم، ومع التكرار، عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاثة أشهر (هل هي عقوبة بديلة؟ لا أحد يجيب).
السبب المُعلن هو إحصاءات تُظهر أنّ ما يقارب نصف قتلى حوادث السير هم من سائقي الدراجات النارية. النتيجة: يُعاقَب أصحاب الدراجات، مع أنّ المتسببين في هذه الحوادث، في كثير من الأحيان، هم سائقي السيارات والشاحنات. لا بأس… العقوبة تطال الدراجات، لكن النتيجة: موجة غضب اجتماعي عارمة.
رئيس الحكومة، المصدوم من حجم الغضب الشعبي، يتحدث إلى وزير النقل من دون مراسلات رسمية ولا رسائل، فرئيس الحكومة لا يبدو أنّه من هواة "الكتابة".
وإذا أخذنا كلمة "عدّاد السرعة" بمعناها الحرفي، فهي تخصّ الدراجات النارية، لكن يمكن أن تنطبق أيضاً على المشهد السياسي، حيث يُسرع السياسيون في سباق انتخابي محموم، ورئيس الحكومة الذي، تحت ضغط الشارع، تحوّل إلى "عزيز السريع"، دافع وزيره الاستقلالي قيوح إلى "زيادة السرعة" هو الآخر… قيوح الذي لم يفق بعد من نشوة صورة "السيلفي" التي التقطها مؤخراً مع الرئيس التركي أردوغان.
لتزداد الصورة تعقيداً، يُقال إن بعض هذه الدراجات تُستورد أصلاً بمحركات معدّلة. الدولة لا تتحرك، بل تجني الرسوم والضرائب عند الاستيراد، والبيع، وحتى على الوقود. ثم، فجأة، في نوبة مزاج سيئة للمسؤولين… تُقرّر العقاب. لا جديد يُذكر.
6- جود" و"جود": معركة الأسماء
"نفس الأسباب تُنتج نفس النتائج". هكذا، قبل خمس سنوات، خلال الحملة الانتخابية لعام 2021، أطلقت هند العايدي، رئيسة جمعية "جود"، صفّارة الإنذار.
هذه الجمعية، التي تأسست عام 2015، معروفة بعملها الإنساني لمساعدة المحتاجين بعيداً عن أي حسابات انتخابية. لكن، مع مرور الوقت، ظهرت مؤسسة أخرى تحمل الاسم نفسه تقريباً، مرتبطة بحزب سياسي، وتعمل في المجال نفسه.
هند العايدي لم تصمت؛ أطلقت حينها مقطع فيديو واضحاً وصريحاً – أفضل من أي رسالة مكتوبة – تتهم فيه التجمع الوطني للأحرار بالاستفادة من التشابه بين الاسمين.
لكن النتيجة كانت عكسية؛ إذ تحوّل جزء من الغضب الشعبي إلى هجوم لفظي ضد جمعية "جود" الأصلية، في خلطٍ ظالم وغير عادل.
في هذه المعركة، يبدو أنّ الحزب الحاكم لا يتردد في استخدام كل الوسائل، غير آبه بالقوانين. وبعدما ذكرت العايدي اسم عزيز أخنوش صراحة، ينتظر الجميع رده: هل سيخرج هذه المرة ليعلّق على الاتهامات، ويواجه الإعلام، ويُفنّد المزاعم، ويُثبت حسن نيّته، ويوضّح الصورة… كما يَعِد دوماً؟ لننتظر ونرَ.
7- ريما حسن… حيرة على إنستغرام
في فرنسا، كما في المغرب، السياسة لعبة معقدة، ريما حسن، الناشطة الفرنسية - الفلسطينية المعروفة بدفاعها الشرس عن القضية الفلسطينية، قررت هذه المرة أن تخوض في ملف بعيد عنها تماماً: قضية الصحراء المغربية.
على "إنستغرام"، نشرت نصاً طويلاً أشبه بمونولوج مرتبك. شرحت فيه ما "فهمته" عن الموضوع، بينما هي، في الحقيقة، لم تفهم شيئاً تقريباً.
في محاولتها إرضاء الجميع، حاولت أن تُرضي أستاذها السياسي جان-لوك ميلونشون، الذي ضاق ذرعاً بمواقفها المتقلبة، وفي الوقت نفسه أن تُخفّف من غضب المغاربة. لكنها، كالعادة، غرقت في التفاصيل التاريخية حتى وصلت إلى عصر المرابطين في تفسيرها للقضية!.
حاولت الإشارة إلى دعمها للمحتجزين في مخيمات تندوف، وأرسلت ابتسامة افتراضية للمغاربة، لكنها لم تكسب أحداً: المغاربة يسخرون من ارتباكها، والجزائريون يصبّون عليها غضبهم.
في النهاية، أرادت ريما حسن أن تبحر بين أمواج السياسة العاتية، فإذا بها تكتشف أنّها تفتقد حتى لقارب نجاة.
02 septembre 2025 - 12:00
02 septembre 2025 - 10:00
01 septembre 2025 - 15:00
31 août 2025 - 11:30
30 août 2025 - 17:10