عبد القادر الفطواكي

في زمن باتت فيه الشخصيات النمطية تطغى على كثير من الإنتاجات الدرامية، ينجح الممثل يوسف الجنديفي كسر هذا القالب، من خلال أدائه اللافت في السلسلة البوليسية الجديدة BAG التي يخرجها إدريس الروخ وتبثها القناة الأولى مساء كل خميس.

في الحلقة الرابعة، التي عرضت الأسبوع الماضي، برز الجندي في أداء مغاير لما ألفه الجمهور سابقًا. لم يكن مجرد “رجل شرطة”، بل شخصية مشحونة بالتناقضات والانفعالات، جسدها بإحساس داخلي عميق وتعبير بصري متزن، جعله يتجاوز مجرد التقمص المهني نحو البناء النفسي الدقيق.

يعرف الجمهور يوسف الجندي جيدًا في دور الشرطي الصارم في الفيلم التلفزيوني الشهير "البرتقالة المرة" رفقة الفنانة هدى الريحاني، لكن في "BAG"، نحن أمام شخصية بوليسية بملامح إنسانية، لا تسجنها السلطة بقدر ما تُغذيها الأسئلة الأخلاقية والقلق الداخلي. وهي مقاربة نادرة في الدراما المغربية، حيث تتحول الشخصيات الرسمية غالباً إلى رموز جامدة.

تفاعل الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن مجاملة، بل تعبيراً عن تلقٍّ مختلف للأداء؛ إذ لم تُمدح الجمل الحوارية ولا المواقف المفتعلة، بل قُدّر ما وراء العين والنبرة والصمت. فقد بدا الجندي وكأنه ينقل معركة داخلية، لا مجرد تحقيق في جريمة.

ولعل اشتغال إدريس الروخ على تفاصيل الإخراج، وتوظيف الكاميرا في خدمة الشخصيات بدل استعراض اللقطات، أعطى للجندي المساحة كي يبني أداءً متدرجاً دون افتعال، وهو ما يضعه اليوم في مسار تصاعدي جديد داخل الدراما البوليسية.

الجندي، في "BAG"، لا يراهن فقط على حب الجمهور، بل يبدو كمن يختبر أدواته المهنية، في انتظار أدوار تقوده نحو مناطق أعمق من حيث التكوين والتعبير الفني.

ويأتي هذا الأداء اللافت في مسلسل "BAG" ليكرّس مسار يوسف الجندي كأحد الوجوه البارزة في الدراما المغربية، التي استطاعت أن تبني لنفسها مكانة خاصة من خلال أدوار مركبة وشخصيات متباينة.

فمنذ بداياته في مطلع الألفية، مرورا بمحطّات سينمائية بارزة مثل "البرتقالة المرة" و"ملائكة الشيطان"، وصولاً إلى أعمال درامية ناجحة كـ"سلمات أبو البنات" و"فرصة ثانية"، حافظ الجندي على خط تمثيلي متزن، يجمع بين الحضور القوي والاختيار الذكي للأدوار. ورغم حضوره الكثيف، لم يسقط في اجترار الشخصية الواحدة، بل سعى إلى التنويع والتجديد، ما جعله اسماً حاضراً بثبات في الذاكرة البصرية للجمهور المغربي.