عبد القادر الفطواكي
نهاية الأسبوع الماضي، خرج عدد من الشباب المغربي المنتمي لما أسمي "جيل Z" إلى شوارع خمس مدن رئيسية، ليس تضامنًا مع حزب أو نقابة، ولا للتعبير عن غضب عابر، بل للمطالبة بحقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم وفرص العيش الكريم. ولعل ما شهدته الساحات ليس احتجاجا عابرا، بل إعلان صريح عن ولادة جيل رقمي واع، يعكس دينامية جديدة في المشهد الاجتماعي المغربي.
لقد كانت الاحتجاجات في السابق تحمل نفسا نقابيا أو حقوقيا أو سياسيا، كانت غالبا منظمة وفق آليات تقليدية، لكن هذه المرة، قاد المشهد جيل مختلف تمامًا، جيل Z، أبناء التسعينيات وبداية الألفية، الذين نشأوا في حضن التكنولوجيا والإنترنت، وصاغوا وعيهم في فضاءات افتراضية، حيث تبنى كل منهم معجمه الخاص ومواقفه المستقلة، بعيدًا عن الروايات التقليدية والتراتبية السياسية الكلاسيكية.
اللافت في هذه التحركات هو طابعها المفاجئ واللامركزي. لم يعتمد التنظيم على الأحزاب أو النقابات، بل على ديناميات شبكية افتراضية، تمكنت من تعبئة فئات واسعة بسرعة غير مسبوقة. الوجوه الجديدة التي ظهرت في الصفوف الأمامية ليست مألوفة في الاحتجاجات السابقة، لكنها تعبّر بوضوح عن معاناة يومية ملموسة تتعلق بالصحة، التعليم، وفرص العيش الكريم، ما يفسر تعاطف الرأي العام معها دون الحاجة إلى تبريرات أيديولوجية.
من زاوية الأمن، يمكن القول إن التعامل مع هذه الاحتجاجات اتسم بالانضباط والاحترافية. لم تشهد المدن مشاهد عنف ممنهج أو تجاوزات جسيمة، واكتفت السلطات بعدد من التوقيفات لجمع المعطيات وفهم طبيعة الحركة، مع حرص على الحفاظ على النظام العام، وهو ما يعكس قدرة وحنكة جهاز الأمن الوطني والقوات المساعدة وأعوان السلطة على إدارة الشارع بشكل متزن لتظل استثناء.
لكن الفراغ السياسي والاجتماعي كان واضحا. غياب الحكومة، ضمور المعارضة، تهافت بعض الأحزاب على الانتخابات القادمة، ضعف الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية، كل ذلك ترك الشارع فارغا أمام قوة عمومية تحاول ضبط النظام، دون أن تقدم المؤسسات الوسيطة حلولًا أو استجابات حقيقية للمطالب الاجتماعية للشباب.
الرسالة الأهم التي تخرج من هذه التحركات هي أن المغرب يعيش "تحولا جيليا" عميقًا. جيل Z لا يقبل بالقيادة التقليدية أو بالخطاب الجاف، ولا يمكن شراء صمته أو صوته بالامتيازات أو الرشاوى الرمزية ولا المادية. هذا الجيل يتواصل رقميًا، يبني هويته في فضاءات افتراضية، ويملك القدرة على تحويل الانفعال الرقمي إلى فعل ميداني مؤثر في غضون ساعات. لذلك فمحاولة قمعه أو إسكاته ستكون قرارا لن يخدم الوطن ولا المواطنين، وسيعمل على مضاعفة منسوب فقدان الثقة في عدد من المؤسسات التي تعاني أصلا أزمة ثقة وهشاشة على مستوى المصداقية.
إن الحل لا يكمن في المنع أو الإجراءات العقابية، بل في الحوار الفعلي والاستجابة الملموسة لمطالب الشباب، خصوصا في مجالات الصحة، التعليم، والعدالة الاجتماعية. فالأمن وحده يمكنه ضبط الشارع مؤقتا، لكن المستقبل يُبنى بالسياسة والتفاعل الذكي مع التحولات الاجتماعية، وليس بالقمع أو الركون إلى خطاب شعاراتي جاف.
تجسد هذه الاحتجاجات أيضًا وعيًا حضاريًا ووطنية سليمة. حركة جيل Z أكدت، عبر منصاتها الرقمية، أنها حركة سلمية تركز على المطالب الاجتماعية اليومية، وترفض الركوب على موجات الاحتجاج، معتمدة على العلم المغربي كشعار جامع، ما يعكس حرصها على الانتماء الوطني في الوقت نفسه الذي تطالب فيه بإصلاح الخدمات العمومية.
إن بلادنا التي سلكت الخيار الديموقراطي والتشاركي، هي اليوم أمام اختبار جديد لفهم التحول الجيلي. جيل Z يمثل صوتا جديدا، لا تقوده المؤسسات التقليدية ولا الخطابات القديمة، لكنه جيل واعٍ، متعلم، متصل بالعالم، يطالب بالكرامة والعدالة يريد أن يسير مغربه بسرعة وحيدة وموحّد كما أشار إلى ذلك الملك محمد السادس خلال الخطاب الذي القاه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش في 29 يوليوز 2025، عندما أكد أنه: “لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين”، في إشارة إلى ضرورة تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية لكل أبناء المغرب.
10 novembre 2025 - 11:00
03 novembre 2025 - 17:00
20 octobre 2025 - 20:00
03 octobre 2025 - 09:40
29 septembre 2025 - 20:00
عندكم 2 دقايق08 novembre 2025 - 13:00
06 novembre 2025 - 16:00
07 novembre 2025 - 14:00
07 novembre 2025 - 18:00