عزيز يوستة
في خضم هذه الأوقات العصيبة التي تعيشها البشرية، حيث تتشابك الأمور وتتداخل الرؤى، تدافع كل دولة عن مصالحها الخاصة، فيما تغرق دول أخرى في متلازمة ستوكهولم العالمية. كيف يمكننا التمييز بين الحقيقة والزيف؟ ومن هو على حق ومن على باطل؟ في انتظار إجابات عن هذه التساؤلات، يدخل كوكبنا في دورة من الدمار والموت والشقاء. يتم الحديث عن احتمال استخدام السلاح النووي في أوروبا، القارة التي وعدت "أن ذلك لن يتكرر أبدًا"...
دعونا نتجه قليلاً نحو الجنوب ونتحدث عن السلام.
خلال السنوات القليلة الماضية، ارتفعت العديد من الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبة بمنح جائزة نوبل للسلام للملك محمد السادس. حيث تنوعت الآراء بخصوص هذه الفكرة؛ فهناك من يؤيدها بحماس، وهناك من يتخذ موقفًا مشككًا، في حين يرفضها البعض بشكل قاطع.
يستند الداعمون لهذه الفكرة بشكل رئيسي إلى جهود الملك في تحسين الظروف المعيشة للمغاربة. ورغم أن هذه الجهود تستحق الثناء، إلا أنها قد لا تكون كافية لنيل جائزة نوبل للسلام.
في الواقع، ندم "ألفريد نوبل" في أخر حياته على اخترع الديناميت، حيث قرر إنشاء جائزة نوبل لتعويض الأضرار التي تسببت بها هذا الإختراع. وقد عرّف الجائزة بأنها: "مكافأة للشخصية التي ساهمت بأكبر قدر في تقريب الشعوب، وتقليل الجيوش الدائمة، وتعزيز التقدم نحو السلام". إذًا، فإن الجائزة ليست مجرد تكريم للسياسات الداخلية، مهما كانت مفيدة، بل هي تقدير عالمي للجهود التي تخدم الإنسانية برمتها.
الملك محمد السادس وجائزة نوبل للسلام: دعوة للتفكير
لقد نفذ الملك محمد السادس على مدى الربع قرن الأخير سياسات تعزز "تقريب الشعوب" و"التقدم نحو السلام". وفيما يلي بعض الإنجازات التي تستحق التقدير:
1/ عمل المغرب سنتي 2014و 2015 على تسوية أوضاع 50 ألف مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء مكنهم من العيش والعمل بشكل قانوني في المغرب. كما يعيش عشرات الآلاف من المهاجرين الآخرين في المغرب دون أن يتعرضوا للملاحقة أو الطرد، ويُعتبر جزء منهم أعضاء في جمعيات قانونية مخصصة للمهاجرين غير الشرعيين. هذه الخطوة كانت غير مسبوقة في المنطقة حيث ساهمت في تقديم نموذج للتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة.
2/ يلعب المغرب منذ سنة2015، دورًا نشطًا ومحوريا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في ليبيا. ورغم التقدم البطيء والتعثرات المتكررة، فإن العملية تسير قدماً، بالرغم من تعقيدات السياسة الدولية وحالة عدم اليقين التي تكتنف الفاعلين المحليين، وتدخل العديد من القوى بمعداتها ومرتزقتها.هذه الجهود تأتي ضمن مبادرات مستمرة لتعزيز الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا.
3/ سنة 201قرر المغرب الانسحاب من التحالف العسكري في اليمن، بعدما تحولت الحرب إلى مجازر، مفضلاً الحفاظ على مواقفه الإنسانية حتى على حساب علاقاته مع بعض دول الخليج.
4/ في سنة 2015 وفي عز تفشي وباء إيبولا في غرب أفريقيا، أبقى المغرب على رحلاته الجوية ومساعداته الإنسانية للدول المتضررة، في حين أوقفت معظم الدول الأخرى رحلاتها.
5/ سنة 2017 سجل المغرب تضامنا ودعما كبيرا لدولة قطر في مواجهة الحصار المفروض عليها، وذلك رغم الغضب الشديد من السعودية والإمارات، مؤكداً على مبدأ التضامن العربي دون الانحياز لطرف على حساب آخر.
6/ نشرت المملكة المغربية مستشفياتها العسكرية الميدانية في عدة مناطق نزاع، بما في ذلك جنوب السودان والأردن ولبنان. بالإضافة إلى ذلك، بادرت ببناء العديد من المستشفيات "الأم والطفل" في عدد من الدول الإفريقية، لتعزيز الرعاية الصحية وتحسين الظروف المعيشية في تلك المناطق.
7/ انتشار القبعات الزرق المغربية في عدد من الدول الإفريقية مثل الكونغو، جمهورية إفريقيا الوسطى، وساحل العاج، حيث يدفع العديد من الجنود المغاربة ثمناً غالياً تحت راية الأمم المتحدة، بما في ذلك التضحية بأرواحهم أو تعرضهم للإصابات.
8/ على الصعيد الإفريقي، يعتبر المغرب، من خلال رئيس دولته، قائداً في ملف الهجرة. وفي هذا السياق، يمثل المغرب القارة في المحافل الدولية، مُحدداً القضايا المتعلقة بالهجرة، ومساهمًا في تنسيق السياسات العامة للدول في هذا المجال، ومنح صوت لأولئك الذين لا صوت لهم.
9/ خلال سنة 2020، ورغم المخاطر والانتقادات، اتخذ الملك محمد السادس قراراً بإعادة العلاقات مع إسرائيل، دون أن يؤدي ذلك إلى تباعد مع الدول العربية والفلسطينيين أو قطع العلاقات بهم. فقبل زيارة "يائير لابيد" إلى الرباط بشهر واحد، حلّ إسماعيل هنية ضيفا على المغرب. هذا التوازن الدقيق يظهر الحكمة السياسية في التعامل مع قضايا معقدة.
10/ اعتمد العاهل المغربي الملك محمد السادس لغة تصالحية مع جار مزاجي وسريع الغضب، فعلى الرغم من الاستفزازات وتهديدات الحرب، يقوم بتعزيز قواته بكل هدوء لمواجهة أي هجوم محتمل، ماضيا في الوقت نفسه في نهح سياسة السلام والتقارب واليد الممدودة. فكما يقال إن الاستعداد للحرب هو أفضل وسيلة لضمان السلام.
11/ إبان مرحلة جائحة كوفيد-19، وعلى الرغم من تأثير الوباء الشديد على المغرب، أصدر الملك تعليماته لمشاركة موارده ومعداته مع 15 دولة أفريقية من جميع أنحاء القارة. بينما كانت مناطق أخرى، مثل أوروبا وآسيا، تلتزم بإجراءات الإغلاق، بدأ المغرب في بناء مصنع ضخم للأدوية يهدف إلى تلبية احتياجات القارة الأفريقية.هذا التضامن الأفريقي يعكس روح التعاون التي يتبناها المغرب.
12/ مكافحة الإرهاب والعمل على التعاون الدولي في مكافحته من خلال الأجهزة الأمنية المغربية التي أثبتت فعاليتها وكفاءتها.
12/ يعزز المغرب سياسة التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب من خلال جهاز أمني المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST و المكتب المركزي للأبحاث القضائية BCIJ الذي يشيد العالم بأسره لفعاليته وتفانيه ومهنيته، بما في ذلك أفريقيا وأوروبا ودول الخليج وحتى الولايات المتحدة.
13/ عمل المغرب على تعزيز ونشر مفهوم الإسلام الذي يتسم بالسلام والتسامح والاعتدال، وذلك في ظل الأوقات التي شهد فيها العالم انتشار الإسلام المتطرف. وقامت المملكة بتوسيع هذا المفهوم خارج حدودها عبر عدد من المبادرات مثل معهد تكوين الأئمة ومؤسسة علماء أفريقيا في إطار تحقيق الأمن الروحي.
14/ يشجع المغرب على تبني سياسة بيئية في أفريقيا عبر مبادرته AAA " المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية"، كما يعزز التعاون الزراعي بين دول الجنوب (جنوب-جنوب) بشكل خاص، وبين دول أفريقيا بشكل عام. تجسد هذه الجهود التزام المغرب الأوسع بحماية البيئة ومكافحة التغير المناخي.
15/ موقف متوازن تجاه النزاعات الدولية ففي سنة 2022، وبعد قرر المغرب الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا، أدانت المملكة ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة الشرقية، مؤكدًا على مبدأ سيادة الدول واحترام سلامتها الإقليمية.
16/ تعزيز التعاون الأفريقي الأطلس حيث أرسى الملك محمد السادس سنة 2023 دعائم فكرة تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية المطلة على الساحل الأطلسي، ليس فقط من خلال ربطها بالموانئ الأطلسية، بل من خلال تنفيذ سياسة تنمية مشتركة ومنسقة تعود بالنفع على الجميع.
17/ نجح الملك محمد السادس سنة 2023، في الحفاظ على الحوار مع إسرائيل بينما يدين في الوقت نفسه تصرفاتها الإجرامية في غزة. دعم القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، واستخدم علاقاته لنقل المساعدات إلى غزة بكرامة، ورفض الضغوط الغربية الرامية إلى "تبرئة" بنيامين نتنياهو.
18/ موقف حكيم تجاه الانقلابات العسكرية في أفريقيا، حيث اتخذ المغرب خلال الفترة بين 2020 و2023، موقفًا حكيمًا تجاه الانقلابات العسكرية في الدول الأفريقية الفرنكوفونية، مؤكدًا على أهمية السيادة الوطنية والاستقرار دون التدخل في شؤونها الداخلية. لقد المغرب إلى الأمن والسلام دون تدخل أو "توصيات" أو تحذيرات أخرى، وهو ما تم ملاحظته في كل من البلدان المعنية.
19/ من أهم العناصر الأساسي لمنح جائزة نوبل للسلام، العمل من أجل حقوق المرأة والمساواة والعدالة. فعلى الرغم من وجود تحديات كبيرة وما زالت العقليات تتغير ببطء، فإن الإصلاحات في مدونة الأسرة الأولى، وكذلك الثانية الجاري العمل بها، تم إدخال الحصص الانتخابية لزيادة المشاركة العامة للنساء، تعيين النساء في عدد متزايد من المناصب الهامة والحساسة، والجهود المبذولة لتخفيف قوانين الإجهاض (وهي مبادرة قررها الملك ولكنها لا تزال مجمدة في البرلمان)، تُظهر الإرادة والواقع القوي لتمكين المرأة وتعزيز مكانتها في المغرب.
وغيرها من المبادرات... يمكن توسيع قائمة الأعمال التي تُعزز السلام و"تقريب الشعوب"وتعزيز التقدم نحو السلام" لتشمل العديد من المبادرات والسياسات الأخرى.
منذ عدة سنوات، يتم منح جوائز نوبل للسلام لشخصيات سياسية وغير سياسية، وقد تم انتقاد العديد منهم لاحقًا بسبب تذبذبهم وعدم ثباتهم في الأعمال المتعلقة بالسلام. على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، تم منح أربع جوائز نوبل بشكل أساسي لـ "معاقبة" و"تهميش" روسيا أكثر من الترويج الحقيقي لحقوق الإنسان على كوكب الأرض، وبالمثل لإيران (جائزتين في 20 سنة)، ناهيك عن الجوائز التي منحت لرؤساء دول أو حكومات يميلون إلى الطابع العسكري والحربي...
دون الدخول في مقارنات لا تنتهي، تهدف هذه الأسطر فقط إلى تقديم وصف وتوضيح السياسات التي اتبعها الملك محمد السادس، التي تعكس اهتمامه المستمر بالسلام والتقريب بين الشعوب.
بكل تأكيد الكمال لله، لذا لا يُعفى أي متوج بجائزة نوبل من النقد، لكن قائمة الأعمال التي قام بها ملك المغرب، بجانب انتظامها واستمراريتها، قد تبرر فتح نقاش حول فكرة منح الجائزة تقديرًا لجهوده في تعزيز السلام العالمي والتنمية المستدامة. يمكن أن يساعد ذلك في إبراز وتعزيز سياساته، ودعم المملكة في مسيرتها نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في عالم يغرق في الجنون الذي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمداه أو عواقبه، سيكون من الجيد أحيانًا التفكير في السلام، بعيدًا عن كل تحيز أو ميول حزبية. لذا، للمتشككين، وبالنظر إلى ملفات الحاصلين على الجوائز في السنوات الأخيرة والنقاط المذكورة أعلاه، سؤال بسيط: لماذا لا يتم منح جائزة نوبل للسلام للملك محمد السادس؟.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00
25 novembre 2024 - 14:00